824
المدينة: تدل على أهلها وساكنيها وتدل على الاجتماع والسواد الأعظم والأمان والتحصين لأن موسى حين دخل إلى مدين قال له شعيب: لا تخف نجوت، وربما دلت القرية على الدنيا والمدينة على الآخرة لأن نعيمها أجل وأهلها أنعم ومساكنها أكبر، وربما دلت المدينة على الدنيا والقرية على الجبانة وذلك إنها بارزة منعزلة عنها مع غفلة أهلها، وربما دلت المدينة المعروفة على دار الدنيا والمجهولة على الآخرة، وربما دلت المدينة المجهولة الجميلة على الجنة والقرية السوداء المكروهة على النار لنعيم أهل المدن وشقاء أهل القرى.
ومن رأى أنه انتقل في منامه من قرية مجهولة إلى مدينة كذلك، فانظر في حاله، فإن كان كافراً أسلم، وإن كان مذنباً تاب، وإن كان صالحاً فقيراً حقيراً، فإنه يستغنى ويعز، وإن كان مع صلاحه خائفاً أمن، وإن كان صاحب سرية تزوج، وإن كان مع صلاحه عليلاً مات، وإن كان ذلك لميت تنقلت حاله وتبدلت داره، فإنما هناك داران إحداهما أحسن من الأخرى فمن انتقل من الدار القبيحة إلى الحسنة الجميلة نجا من النار ودخل الجنة إن شاء الله.
ومن رأى أنه خرج من مدينة إلى قرية مجهولتين فعلى عكس الأول، وإن كانتا معروفتين اعتبرت أسماؤهما وجواهرهما فتحكم للمنتقل بمعاني ذلك كالخارج من غاية إلى مدينة مصر، فإنه يخلص من بغي ويبلغ سؤله ويأمن خوفه لقوله تعالى"ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين". فإن كان خروجه من سر من رأى إلى خراسان انتقل في سرور إلى سوء قد آن وقته، وكذلك الخارج من المهدية والداخل إلى سوسة خارج عن هدى وحق إلى سوء وفساد على نحو هذا ومأخذه في سائر القرى والمدن المعروفة.ودور المدينة تدال على أهلها من الرؤساء وكبراء محلتها وكل درب دال على من يجاوره، ومن يحتاج إليه أهل تلك المحلة في مهماتهم وأمورهم ويرد عنهم حوادثهم بجاهه وسلطانه أو بعلمه وماله، وقيل المدينة رجل عالم إذا رأيتها من بعيد، وقيل المدينة دين والخروج من المدينة خوف لقوله تعالى"فخرج منها خائفاً يترقب". ودخول المدينة صلح فيما بينه وبين الناس يدعونه إلى حق قال الله تعالى"ادخلوا في السلم كافة".
ومن رأى أن مدينة عتيقة قد خربت قديماً، فإنه يظهر أو يولد هناك عالم أو إمام يحدث هناك ورعاً ونسكاً.
ومن رأى أنه دخل بلداً فرأى مدينة خربة لا حيطان لها ولا بنيان ولا آثار، فإنه إن كان في ذلك اليوم علماء ماتوا وذهبوا ودرسوا ولم يبق منهم ولا من ذريتهم أحد.
ومن رأى أنه يعمر، فإنه يولد من نسل العلماء الباقين ولد يظهر فيه سيرة أولئك العلماء.
ومن رأى مدينة أو بلداً خاليين من السلطان، فإن سعر الطعام يغلو هناك.
ومن رأى مدينة أو بلداً مخصبة حسنة الزرع فذلك خير حال أهلها، وقيل إذا كانت المدن هادئة ساكنة، فإنها في الخصب في ليل على الجدب وفي الجدب دليل الخصب، والأفضل أن يرى الإنسان المدن العامرة الكثيرة الخصب، فإنها تدل على رفعة وخصب.
ومن رأى الجدبة القليلة الأهل دلت على قلة الخير وبلدة الإنسان تدل على الآباء مثال ذلك: أن رجلاً رأى كأن مدينته وقعت من الزلازل فحكم على والده بالقتل.وحكي أن وكيعاً كان مع قتيبة لما سار من الري إلى خراسان فرأى وكيع في منامه كأنه هدم شريف مدينته ونسفها فسأل المعبر، فقال: أشراف يسقطون من جاههم على يدك ويوسمون فكان كذلك.وأما أبواب المدينة المعروفة: هي ولاتها أو حكامها، ومن يحرسها ويحفظها.والقرية المعروفة: تدل على نفسها وعلى أهلها وعلى ما يجيء منها ويعرف بها لأن المكان يدل على أهله كما قال تعالى"واسأل القرية". يعني أهلها، وربما دلت القرية على دار الظلم والبدع والفساد والخروج عن الجماعة والشذوذ عن جماعة رأي أهل المدينة ولذا وسم الله تعالى دور الظالمين في كتابه بالقرى، وقد تدل على بيت النمل ويدل بيت النمل على القرية لأن العرب تسميها قرية، فمن هدم قرية أو أفسدها أو رآها خربت وذهب من فيها أو ذهب سيل بها أو احترقت بالنار، فإن كانت معروفة جار عليها سلطان، وقد يدل ذلك على الجراد والبرد والجوائح والوباء، وردم كوة النمل في سقف البيت، وكذلك في المقلوب من صنع ذلك بكوة النمل أو الحيات عدا أهل القرية بالظلم والعدوان وعلى كنيسة أو دار مشهورة بالفسوق.
ومن رأى أنه دخل قرية حصينة، فإنه يقتل أو يقاتل لقوله تعالى"لا يقاتلوكم جميعاً إلا في قرى محصنة". وقيل من رأى أنه يجتاز من بلد إلى قرية، فإنه يختار أمراً وضيعاً على أمر رفيع أو قد عمل عملاً محموداً يظن أنه في محمود أو قد عمل خيراً يظن أنه شر فيرجع عنه وليس بجازم.
ومن رأى أنه دخل قرية، فإنه يلي سلطاناً، فإن خرج من قرية، فإنه ينجو من شدة ويستريح لقوله تعالى"أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها".
ومن رأى كأن قرية عامرة خربت والمزارع تعطلت، فإنه ضلالة أو مصيبة لأربابها، وإن رآها عامرة فهو صلاح دين أربابها.