658
الرياح تدل على السلطان في ذاته لقوتها وسلطانها على ما دونها من المخلوقات مع نفعها وضرها، وربما دل على ملك السلطان وجنده وأوامره وحوادثه وخدمه وأعوانه وقد كانت خادماً لسليمان عليه السلام، وربما دلت على العذاب والآفات لحدوثها عند هيجانها وكثرة ما يسقط من الشجر ويغرق من السفن بها لاسيما إن كانت دبوراً ولأنها الرياح التي هلكت عاد بها ولأنها رياح لا تلقح، وربما دلت الرياح على الخصب والرزق والنصر والظفر والبشارات لأن الله عز وجل يرسلها نشراً بين يدي رحمته وينجي بها السفن الجاريات بأمره فكيف بها إن كانت من رياح اللقاح لما يعود منها من صلاح النبات والثمر وهي الصبا وقد قال صلى الله عليه وسلم: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور، والعرب تسمي الصبا القبول لأنها تقابل الدبور ولو لم يستدل بالقبول والدبور إلا باسمها لكفى، وربما دلت الرياح على الأسقام والعلل والهائجة في الناس كالزكام والصداع ومنه قول الناس عند ذلك هذه رياح هائجة لأنها علل يخلقها الله عز وجل.
ومن رأى رياحاً تقله وتحمله بلا روع ولا خوف ولا ظلمة ولا ضبابة، فإنه يملك الناس إن كان يليق به ذلك أو يرأس عليهم ويسخرون لخدمته بوجوه من العز أو يسافر في البحر سليماً إن كان من أهل ذلك أو ممن يؤمله أو تنفق صناعته إن كانت كاسدة، أو تحته رياح تنقله وترفعه ورزق إن كان فقيراً، وإن كان رفعها إياه وذهابها به مكوراً مسحوباً وهو خائف مروع قلق، أو كانت لها ظلمة وغبرة، فإن كان في سفينة عطبت به، وإن كان في علة زادت به وإلا نالته زلازل وحوادث أو خرجت فيه أو أمر السلطان أو الحاكم ينتهي فيها إلى نحو ما وصل إليه في المنام، فإن لم يكن شيء من ذلك أصابته فتنة غبراء ذات رياح مطبقة وزلازل مقلقة.
ومن رأى الرياح في تلك الحال تقلع الشجر وتهدم الجدر أو تطير بالناس أو بالدواب أو بالطعام، فإنه بلاء عام في الناس إما طاعون أو سيف أو فتنة أو غارة أو سبي أو مغرم وجور ونحو ذلك، فإن كانت الرياح العامة ساكتة أو كانت من رياح اللقاح، فإن كان الناس في جور أو شدة أو وباء أو حصار من عدو بدلت أحوالهم وانتقلت أمورهم وفرجت همومهم.ورياح السموم تدل على أمراض حارة، والرياح مع الصفرة مرض والرياح مع الرعد سلطان جائر مع قوة.
ومن رأى سقوط الرياح على مدينة أو عسكر، فإن كانوا في حرب هلكوا والرياح اللينة الصافية خير وبركة والرياح العاصف جور السلطان والرياح مع الغبار دليل الحرب.السحاب: يدل على الإسلام الذي به حياة الناس ونجاتهم وهو سبب رحمة الله تعالى لحملها الماء الذي به حياة الخلق، وربما دلت على العلم والفقه والحكمة والبيان لما فيها من لطيف الحكمة بجريانها حاملة وقراً في الهواء ولما ينعصر منها من الماء، وربما دلت على العساكر والرفاق لحملها الماء الدال على الخلق الذي خلقوا من الماء، وربما دلت على الإبل القادمة بما ينبت بالماء كالطعام والكتان لما قيل إنها تدل على السحاب لقوله تعالى"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت". وربما دلت على السفن الجارية في الماء في غير أرض ولا سماء حاملة جارية بالرياح، وقد تدل على الحامل من النساء لأن كلتيهما تحمل الماء وتجنه في بطونها إلا أن يأذن لها ربها بإخراجه وقذفه، وربما دلت على المطر نفسه لأنه منها وبسببها، وربما دلت على عوارض السلطان وعذابه وأوامره، وإذا كانت سوداء أو كان معها ما يدل على العذاب لما يكون فيها من الصواعق والحجارة مع ما نزل بأهل الظلمة حين حسبوها عارضاً تمطرهم فأتتهم بالعذاب وبمثل ذلك أيضاً يرتفع على أهل النار، فمن رأى سحاباً في بيته أو نزلت عليه في حجره أسلم إن كان كافراً ونال علماً وحكماً إن كان مؤمناً أو حملت زوجته إن كان في ذلك راغباً أو قدمت إبله وسفينته إن كان له شيء من ذلك.
ومن رأى نفسه راكباً فوق السحاب أو رآها جارية تزوج إمرأة صالحة إن كان عازباً أو سافر أو حج إن كان يؤمل ذلك وإلا شهر بالعلم والحكمة إن كان لذلك طالباً وإلا ساق بعسكر أو سرية أو قدم في رفقة إن كان لذلك أهلاً وإلا رفعه السلطان على دابة شريفة إن كان ممن يلوذ به وكان راجلاً وإلا بعثه على نجيب رسولاً.
ومن رأى سحباً متوالياً قادمة جانية والناس لذلك ينتظرون مياهها وكانت من سحب السماء ليس فيها شيء من دلائل العذاب قدم تلك الناحية ما يتوقعه الناس وما ينتظرونه من خير يقدم أو رفقة تأتي أو عساكر ترد أو قوافل تدخل، وإن رآها سقطت بالأرض أو نزلت على البيوت أو في الفدادين أو على الشجر والنبات فهي سيول وأمطار أو جراد أو قطا أو عصفور، وإن كان فيها مع ذلك ما يدل على الهم والمكروه كالسموم والرياح الشديدة والنار والحجر والحيات والعقارب، فإنها غارة تغير عليهم وتطرقهم في مكانهم أو رفقة قافلة تدخل بنعي أكثرهم ممن مات في سفرهم أو مغرم وخراج يفرضه السلطان عليهم أو جراداً ودباً يضر بنباتهم ومعايشهم أو مذاهب وبدع تنتشر بين أظهرهم ويعلن بها على رؤوسهم، وقيل إن السحاب ملك رحيم أو سلطان شفيق فمن خالط السحاب، فإنه يخالط رجال من هؤلاء، ومن أكل السحاب، فإنه ينتفع من رجل بمال حلال أو حكمة، وإن جمعه نال حكمة من رجل مثله، فإن ملكه نال حكمة وملكاً.
ومن رأى أن سلاحه من عذاب، فإنه رجل محتاج.
ومن رأى أنه يبني داراً على السحاب، فإنه ينال دنيا شريفة حلالاً مع حكمة ورفعة، فإن بنى قصراً على السحاب، فإنه يتجنب من الذنوب بحكمة يستفيدها وينال من خيرات يعلمها.
ومن رأى في يده سحاباً يمطر منه المطر، فإنه ينال بحكمة ويجري على يده الحكمة.
ومن رأى أنه تحول سحاباً يمطر على الناس نال مالاً ونال الناس منه.والسحاب إذا لم يكن فيه مطر، فإن كان ممن ينسب إلى الولاية، فإنه لا ينصف ولا يعدل، وإذا نسب إلى التجارة، فإنه لا يفي بما يتبع ولا بما يضمن، وإن نسب إلى عالم، فإنه يبخل بعمله، وإن كان صانعاً، فإنه متقن الصناعة حكيم والناس محتاجون إليه.والسحاب سلاطين لهم يد على الناس ولا يكون للناس عليهم يد، وإن ارتفعت سحابة فيها رعد وبرق، فإنه ظهور سلطان مهيب يهدد بالحق.
ومن رأى مطراً عاماً في البلاد، فإن كان الناس في شدة خصبوا ورخص سعرهم إما بمطر كما رأى أو لرفقه أو سفن تقدم بالطعام، وإن كانوا في جور وعذاب وأسقام فرج ذلك عنهم إن كان المطر في ذلك الحين نافعاً، وإن كان ضاراً أو كان فيه حجر أو نار تضاعف ما هم فيه وتواتر عليهم على قدر قوة المطر وضعفه، فإن كان رشاً فالأمر خفيف فيما يدل عليه.
ومن رأى نفسه في المطر أو محصوراً منه تحت سقف أو جدار فأمر ضرر يدخل عليه بالكلام والأذى، وإما أن يضرب على قدر ما أصابه من المطر، وإما أن يصيبه نافض إن كان مريضاً أو كان ذلك أوانه أو كان المكان مكانه، وأما الممنوع تحت الجدار فإما عطلة عن عمله أو عن سفره أو من أجل مرضه أو سبب فقره أو يحبس في السجن على قدر ما يستدل على كل وجه منها بالمكان الذي رأى نفسه فيه وبزيادة الرؤيا وما في اليقظة إلا أن يكون قد اغتسل في المطر من جنابة أو تطهر منه للصلاة أو غسل بمائه وجهه فيصح له بصره أو غسل به نجاسة كانت في جسمه أو ثوبه، فإن كان كافراً أسلم، وإن كان بدعياً أو مذنباً تاب، وإن كان فقيراً أغناه الله، وإن كان يرجو حاجة عند السلطان أو عند من يشبهه نجحت لديه وسمح له بما قد احتاج إليه، وكل مطر يستحب نوعه فهو محمود وكل مطر يكره نوعه فهو مكروه.وقال ابن سيرين: ليس في كتاب الله تعالى فرج في المطر إذا جاء اسم المطر فهو غم مثل قوله تعالى"وأمطرنا عليهم مطراً"وقوله"وأمطرنا عليهم حجارة". وإذا لم يسم مطراً فهو فرج الناس عامة لقوله تعالى"ونزلنا من السماء ماء مباركاً". وقيل المطر يدل على قافلة الإبل كما أن قافلة الإبل تدل على المطر، والمطر العام غياث.
ومن رأى أن السماء أمطرت سيوفاً، فإن الناس يبتلون بجدال وخصومة، فإن أمطرت بطيخاً، فإنهم يمرضون، وإن أمطرت من غير سحاب فلا ينكر ذلك لأن المطر ينزل من السماء، وقيل إنه فرج من حيث لا يرجى ورزق من حيث لا يحتسب، ولفظ الغيث والماء النازل وما شاكل ذلك أصلح في التأويل من لفظ المطر.الرعد: يدل على وعيد السلطان وتهدده وإرعاده ومنه يقال هو يرعد ويبرق، وربما دل على المواعيد الحسنة والأوامر الجزلة لأنه أوامر ملك السحاب بالنهوض والجود إلى من أرسلت إليه، وتدل الرعود أيضاً على طبول الزحف والبعث والسحاب على العساكر والبرق على النصال والبنود المنشورة الملونة والأعلام والمطر على الدماء المراقة والصواعق على الموت.
ومن رأى رعداً في السماء، فإنها أوامر تشيع من السلطان، وإن رأى ذلك من صلاحه بالمطر وكان الناس منه في حاجة دل على ذلك الأمطار أو على مواعيد السلطان الحسان، وقد يدل على الوجهين ويبشر بالأمرين، وإن كان صاحب الرؤيا ممن يضره المطر كالمسافر والقصار والغسال والبناء والحصاد، ومن يجري مجراهم فإما مطر يضر به ويفعله ويفسد ما قد عمله وقد أوذنوا به قبل حلوله ليتحذروا بأخذ الأهبة ويستعدوا للمطر، وأما أوامر السلطان أو جناية عليه في ذلك مضرة، فكيف إن كان المطر في ذلك الوقت ضاراً كمطر الصيف.
ومن رأى مع البرق رعوداً تأكدت دلالة الوعد فيما يدل عليه، وإذا كانت الشمس بارزة عند ذلك ولم يكن هناك مطر فطبول وبنود تخرج من عند السلطان لفتح أتى إليه وبشارة قدمت عليه أو لإمارة عقدها لبعض ولاته أو لبعث يخرجه أو يتلقاه من بعض قواده، وإن كان مع ذلك مطر وظلمة وصواعق فإما جوائح من السماء كالبرد والرياح والجراد، وإما وباء وموت، وإما فتنة أو حرب إن كان البلد بلد حرب أو كان الناس يتوقعون ذلك من عدو، وقيل الرعد بلا مطر خوف.
ومن رأى الرعد، فإنه يقضي ديناً، وإن كان مريضاً برئ، وإن كان محبوساً أطلق، وأما الرعد والبرق والمطر فخرف للمسافر وطمع للمقيم، وقيل الرعد صاحب شرطة ملك عظيم، وقيل الرعد بغير برق يدل على اغتيال ومكر وباطل وكذب وذلك لأنه إنما يتوقع الرعد بعد البرق، وقيل صوت الرعد يدل على الخصومة والجدال.
ومن رأى الصفحة القادمة